الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء[ ] :1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا وأشكره سبحانه على ما من به من هذا اللقاء في سبيل الله وفي طاعته جل وعلا والتواصي بالحق وأسأله جل وعلا أن يجعله لقاء مباركًا وأن يعيننا جميعًا على ما فيه رضاه ويعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
ثم أشكر أخي صاحب هذا المسجد الأخ سليمان الراجحي على دعوته لي لهذا اللقاء وأسأل الله أن يبارك فيه وفي أخيه صالح وفي ذريتهما وأن يعينهم على كل خير وأن يبارك في جهودهم ويجعلنا وإياهم من الهداة المهتدين ثم أشكر أخي الشيخ عائض بن عبد الله القرني على كلمته وعلى قصيدته المباركة وأسأل الله أن يجزيه عن ذلك خيرًا.
أما ما ذكره عن الفتاوى[ ] واستنباطها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول: إن هذا هو الواجب على أهل العلم وهو[ ] الذي نفعله ونهدف إليه ونحرص على تطبيق فتاوانا عليه. ولكنني لست معصومًا فقد يقع الخطأ مني ومن غيري من أهل العلم ولكني لا آلو جهدًا في تطبيق ما يصدر مني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا آلو جهدًا في استنباط ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر مني من قليل أو كثير هذا هو جهدي، وأسأل الله أن يجعل ذلك موفقًا ومصيبًا للحق.
وأما ما يتعلق بسؤال أهل العلم والاستفتاء منهم فهذا أمر معلوم قد شرعه الله لعباده فإن الله جل وعلا أمر بسؤال أهل العلم وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العلم النافع والعمل الصالح فقال سبحانه {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوم أفتوا بغير علم: «ألا سألوا إذ لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال».
فالواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أشكل عليه أمر من أمور دينه أن يسأل عنه ذوي الاختصاص من أهل العلم وأن يتبصر وأن لا يقدم على أي عمل بجهل يقوده إلى الضلال. فعلى المسلمين أن يسألوا وعلى أهل العلم أن يبينوا فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم خلفاء الرسل في بيان الحق والدعوة إليه والإفتاء به وعلى جميع المسلمين أن يسألوا عما أشكل عليهم وأن يستفتوا أهل العلم.
وأهل العلم هم علماء الكتاب والسنة وهم الذين يرجعون في فتاواهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم أهل العلم وليس أهل العلم من يقلد الرجال ولا يبالي بالكتاب والسنة إنما العلماء[ ] هم الذين يعظمون كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويرجعون إليهما في كل شيء هؤلاء هم أهل العلم، وعلى طالب العلم أن يتأسى بهم ويجتهد في سلوك طريقهم وعلى عامة المسلمين أن يسألوهم عما أشكل عليهم في أمر دينهم ودنياهم، لأن الله جل وعلا بعث الرسل لإصلاح أمر الدين والدنيا جميعًا ولا سيما خاتمهم وإمامهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
فإن الله بعثه للناس عامة للجن والإنس وجعل رسالته عامة وفيها صلاح أمر الدنيا[ ] والآخرة فيها صلاح العباد والبلاد في كل شيء فيها خلاصهم من كل شر وفيها صلاحهم فيما يتعلق بدنياهم وأمر معاشهم وفيها صلاحهم فيما يتعلق بطاعة ربهم وعبادته وأداء حقه وترك ما نهى عنه وفيها صلاحهم في كل ما يقربهم من الله ويباعد من غضبه سبحانه وتعالى وفيها صلاحهم بتوجيه العباد وإرشادهم إلى ما ينفعهم ويهديهم إلى الطريق السوي ويبعدهم عن طريق النار[ ] وطريق الهلاك والدمار.
وعنوان الكلمة: "واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم"، فالمسلمون عليهم واجبات تتعلق بدينهم وبالاستقامة عليه كما شرع الله وكما أمرهم الله فإن الله خلقهم ليعبدوه وأرسل الرسل بذلك قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذه هي العبادة التي أمرهم الله بها في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:21] وفي قوله سبحانه وبحمده: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء:36] وفي قوله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36] وفي قوله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
والله بعث رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم كما بعث الرسل قبله بالدعوة إلى هذه العبادة والدعوة إلى هذا الدين بعثه إلى الثقلين الجن[ ] والإنس رحمة للعالمين كما قال سبحانه وبحمده: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] بعثه معلمًا ومرشدًا وهاديًا إلى طريق النجاة معلمًا لهم كل ما فيه صلاحهم ونجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وجعله خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر بإجماع أهل العلم والإيمان. فمن ادعى أنه نبي أو أوحي إليه بشيء كالقاديانية فهو كافر بالله ضال مضل مرتد عن دين الإسلام إذا كان يدعي الإسلام فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال جل وعلا: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40].
وقد تواترت عنه عليه الصلاة والسلام الأحاديث الصحيحة بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده فالواجب على جميع الثقلين اتباعه والاستقامة على دينه والتفقه في ذلك والسير على ذلك حتى الموت[ ] وهذه العبادة التي خلقوا لها لا بد أن يتفقهوا فيها ولا بد أن يعرفوها بالأدلة من الكتاب والسنة فهم خلقوا ليعبدوا الله وتفسير هذه العبادة يؤخذ عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد فسرها الله في كتابه العظيم وفسرها نبيه عليه الصلاة والسلام فأصلها توحيد الله والإخلاص له كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] هذا أصل هذه العبادة فأصلها توحيد الله وتخصيصه بالعبادة قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] وبهذا أنزلت الكتب جميعها من الله سبحانه وتعالى لبيان هذه العبادة كما قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ . أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ} [هود:1-2].
فالكتب المنزلة من السماء وآخرها القرآن كلها تدعو إلى توحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه. والرسل كلهم جميعا كذلك يدعون إلى توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه واتباع شريعته والحذر مما نهى عنه سبحانه وتعالى. فعلى جميع المكلفين من إنس وجن وعرب وعجم ورجال ونساء عليهم جميعًا أن يعبدوا الله وحده وأن ينقادوا لما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا، فعلًا وتركًا فأصل الدين وأساسه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وهذا هو أصل هذه العبادة وأساسها أن يعبد الله وحده دون كل ما سواه: بالدعاء والرجاء والخوف والنذر والذبح وسائر العبادات كما قال سبحانه وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23] وقال سبحانه: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة[ ] :5] وقال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام:162-163] وقال سبحانه: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ . فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:1-2].
فالعبادة حق الله لا تصلح لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لصنم ولا لجن ولا لوثن ولا غير ذلك بل هي حق الله عليك أن تعبده وحده بدعائك ورجائك وخوفك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك وحجك وصدقاتك وغير ذلك. لأنه سبحانه هو المعبود بالحق وما سواه معبود بالباطل قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج[ ] :62] وكان العرب وغيرهم من الأمم إلا من رحم الله -وهم قليل- حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك بالله منهم من يعبد الملائكة[ ] ومنهم من يعبد الأنبياء ومنهم من يعبد الأصنام المنحوتة على صورة فلان وفلان ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ومنهم من يعبد القبور ومنهم من يعبد النجوم ويستغيث بها وينذر لها إلى غير ذلك فبعث الله هذا النبي[ ] العظيم محمدًا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم من هذا الشرك الوخيم فقام بذلك أكمل قيام عليه الصلاة والسلام ودعا إلى الله وأرشد إلى دينه جل وعلا الذي رضيه للناس وعلم الناس توحيد الله.
مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى توحيد الله والإخلاص لله وترك عبادة ما سواه جل وعلا. وبعد مضي عشر سنين فرض الله عليه الصلوات الخمس قبل أن يهاجر أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء وتجاوز السماوات السبع جميعًا ورفع إلى مستوى فوق ذلك عليه الصلاة والسلام وكلمه الله جل وعلا وأوحى إليه الصلوات الخمس فنزل بها عليه الصلاة والسلام وعلمها الناس وقام بها المسلمون في مكة ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وفرض الله عليه بقية أمور الدين من زكاة وصيام وحج وغير ذلك.
فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس والعرب والعجم والذكور والإناث والحكام والمحكومين والأغنياء والفقراء الواجب عليهم جميعًا في وقته صلى الله عليه وسلم وبعد وقته وفي وقتنا هذا إلى يوم القيامة[ ] الواجب على الجميع أن يعبدوا الله وحده وأن ينقادوا لشرعه وأن يتبعوا ما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا وعقيدة.
هذا واجب الجميع نحو دينهم يجب عليهم أن يعبدوا الله ويطيعوا أوامره ويزكوا نواهيه فالعبادة هي: طاعة الأوامر إخلاصًا لله ومحبة له وتعظيمًا له من صلاة وزكاة وحج وبر بالوالدين وصلة للرحم وجهاد في سبيل الله بالنفس والمال وصدق في الحديث وغير هذا مع ترك كل ما حرم الله من الشرك بالله وهو أعظم الذنوب[ ] فالشرك الذي هو: صرف العبادة أو بعضها لغير الله أعظم الذنوب وهو الشرك الأكبر: كدعاء الملائكة أو الأنبياء أو الجن أو أصحاب القبور فيستغيث بهم أو ينذر لهم أو يذبح لهم وهذا ينافي قول لا إله إلا الله فإن قول لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله وهي كلمة التوحيد[ ] وهي أصل الدين وأساس الملة فدعاء الأموات والأصنام وغيرهم والاستغاثة بهم والنذر لهم ينقض هذه الكلمة وينافيها وهو الشرك الأكبر والذي يأتي الأموات ويدعوهم ويستغيث بهم وينذر لهم ويسألهم النصر على الأعداء أو شفاء المرضى أو يدعو الملائكة أو الرسل أو يدعو الجن ويستغيث بهم أو ينذر لهم ويذبح لهم كل هذا من الشرك بالله وكل هذا يناقض قول: لا إله إلا الله ويخالف قوله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] ويناقض قوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5].
وبهذا يعلم كل مسلم أن ما يفعله بعض الجهال عند بعض القبور فيأتي إلى القبر[ ] ويقول: يا سيدي فلان اشف مريضي أو انصرني على عدوي، أو أنت تعلم ما نحن فيه انصرنا أو ما أشبه ذلك، هذا من الشرك الأكبر وهذا هو دين الجاهلية نسأل الله السلامة والعافية.
ولا بد أيضًا مع توحيد الله والإخلاص له والحذر من الكفر به لا بد من الشهادة[ ] بأن محمدًا رسول الله. هاتان الشهادتان هما أصل الدين وأساس الملة فعلى كل مكلف أن يؤمن بأن محمدًا رسول الله هو عبده ورسوله إلى الثقلين الإنس والجن وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي العربي المكي ثم المدني أرسله الله حقًا إلى جميع الثقلين. يجب الإيمان[ ] به بالقلب واللسان والعمل فيؤمن المكلف بأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي هو رسول الله حقًا إلى جميع الناس وهو خاتم الأنبياء إيمانًا صادقًا لا نفاق فيه ويحققه بالعمل بطاعة الأوامر وترك النواهي بطاعة أوامر الله من صلاة وزكاة وصوم وحج وغير ذلك وترك محارم الله من الشرك بالله والزنا والسرقة وشرب المسكرات وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وأكل الربا[ ] وأكل مال اليتيم إلى غير ذلك مما حرم الله.
تحقق هاتين الشهادتين يا عبد الله بطاعة الأوامر وترك النواهي هذا حق الله عليك أيها العبد وحق الرسول عليك. فعليك أن تعبد الله وحده بطاعة الأوامر وترك النواهي والإيمان بأنه ربك وإلهك الحق وأنه إله الجميع وأنه سبحانه خالق الكون ومصرف أحوال الجميع وأنه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا كل هذا داخل في الإيمان بالله وحده فهو سبحانه رب الجميع وخالقهم ومصرف أحوال العباد فهو سبحانه الخلاق الرزاق مدبر الأمور مصرف الأشياء ليس للعباد خالق سواه ولا مدبر سواه فهو النافع الضار المانع المعطي الخالق لكل شيء القادر على كل شيء الرزاق للعباد بيده تصريف الأمور كلها سبحانه وتعالى.
وهذا ما يسمى توحيد الربوبية وهو وحده لا يدخل في الإسلام بل لا بد مع ذلك من الإيمان بأنه هو المستحق للعبادة فلا يستحقها سواه وهذا معنى لا إله إلا الله. أي لا معبود حق إلا الله وهذا هو توحيد العبادة وهو تخصيصه سبحانه بالعبادة وإفراده بها من دعاء وخوف ورجاء وتوكل وصلاة وصوم وغير ذلك مع الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات وهو الإيمان بأنه سبحانه هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله له الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته لا شريك له ولا شبيه له ولا كفو له سبحانه وتعالى. وهذا هو توحيد الأسماء والصفات كما تقدم قال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص[ ] :1-4] وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
فعلى جميع المكلفين من الثقلين الإيمان بأسماء الله وصفاته الواردة في القرآن الكريم[ ] كالعزيز والحكيم والسميع والبصير والخلاق والرزاق والرحمن الرحيم إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وعلى الجميع أيضًا الإيمان بما ثبت في السنة سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته ثم إمرارها كما جاءت من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل ولا زيادة ولا نقصان بل نؤمن بها ونقرها ونمرها كما جاءت لا نحرف ولا نغير ولا نزيد ولا ننقص ولا نأول شيئًا من صفات الله بل هي حق كلها يجب إثباتها لله على الوجه اللائق بالله مع الإيمان القطعي بأنه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا.
كما أنه لا يشبههم في ذاته وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان وهو الذي أجمعت عليه الرسل ونزلت به الكتب التي أعظمها وأكملها القرآن الكريم وهو الحق الذي لا ريب فيه فعليك يا عبد الله أن تؤمن به وأن تعض عليه بالنواجذ.
ولا بد مع هذا كله من الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم واتباعه مع الإيمان بجميع المرسلين ولا بد أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من الملائكة والكتب وأمر الجنة[ ] والنار والبعث والنشور والحساب والجزاء وعذاب القبر ونعيمه والإيمان بالقدر خيره وشره.
لا بد من الإيمان بهذا كله من جميع المكلفين من الرجال والنساء والأحرار والعبيد والعرب والعجم والأغنياء والفقراء والحكام والمحكومين والجن والإنس على الجميع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله. هذا واجبهم نحو دينهم وواجب عليهم جميعًا أن يؤمنوا بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان في الدنيا من الرسل الماضين من آدم ومن بعده من الرسل وما جاءوا به من الهدى وأن الله جل وعلا بعثهم لدعوة الناس إلى الخير والهدى والتوحيد وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة عليهم الصلاة والسلام ولا بد من الإيمان أيضًا بكل ما مضى من أخبار الماضين مما جرى على قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن قص الله علينا أخبارهم.
فعليك يا عبد الله أن تؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله في كتابه العزيز وفيما جاءت به سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة لا بد من هذا الإيمان ومن ذلك: الإيمان بعذاب القبر ونعيمه كما تقدم فإن القبر إما روضة من رياض الجنة للمؤمن أو حفرة من حفر النار للكافر.
أما العاصي فهو على خطر وقد يناله في قبره ما شاء الله من العذاب إلا من رحم الله، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير» ثم قال «بلى أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من البول » الحديث. ومعنى: (لايستتر من البول) أي لا يتنزه كما جاء ذلك في رواية أخرى «فعذبا في قبريهما بهاتين المعصيتين» وهذا عذاب معجل. وهذا الحديث يبين لنا أن أمر المعاصي خطير وأن الواجب على المؤمن أن يستقيم على دين الله قولًا وعملًا وعقيدة وأن يحافظ على ما أوجب الله عليه وأن يحذر ما نهى الله عنه سبحانه وتعالى.
وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما يتعلق بأحوال القبر وأحوال الناس في قبورهم فالقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار والميت أول ما يوضع في قبره يسأله ملكان عن ربه وعن دينه وعن نبيه، فالمؤمن يثبته الله فيقول: ربي الله والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبي لأنه كان ثابتًا في الدنيا على الحق قبل أن يموت فكان بصيرًا بدينه ثابتًا عليه فلهذا يثبته الله في القبر.
وأما الكافر والمنافق إذا سئل فإنه يقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه الإنسان لصعق، وهكذا يحاسبهم الله ويجازيهم بأعمالهم.
فالناس يبعثون ويجازون بأعمالهم بعد قيام الساعة وقد دل الكتاب والسنة على أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيموت الناس الموجودون ثم ينفخ فيه نفخة أخرى بعد ذلك فيبعثهم الله ويقومون من قبورهم ومن كل مكان من البحار وغيرها ويجمعهم الله ويجازيهم بأعمالهم إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر هذا حق لا ريب فيه فلا بد من الإيمان بهذا كله والإعداد له العدة الصالحة لتوحيد الله وطاعته واتباع شريعته والحذر من معصيته سبحانه وتعالى ثم بعد هذا المحشر والقيام بين يدي رب العالمين ومجازات الناس بأعمالهم جنهم وإنسهم ينصب الله الموازين ويزن بها أعمال العباد فهذا يرجح ميزانه وهو السعيد وهذا يخف ميزانه وهو الهالك وهذا يعطى كتابه بيمينه وهو السعيد وهذا يعطى كتابه بشماله وهو الشقي نسأل الله السلامة والعافية.
فهذا المقام العظيم وهذا الأمر الجلل لا بد من أن نستحضره وأن نعد له عدته فيوم القيامة يوم عظيم وهو يوم الأهوال والشدائد ومقداره خمسون ألف سنة كما قال في كتابه الكريم: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ . فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا . إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا . وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:4-7]. فلا بد من الإعداد لهذا اليوم والإيمان بأنه حق.
فعليك يا عبد الله أن تعد له العدة الصالحة بتوحيد الله وطاعته واتباع شريعته وتعظيم أمره واجتناب نهيه والتعاون على البر والتقوى مع إخوانك المسلمين والتواصي بالحق والصبر عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الضال وتعليم الجاهل إلى غير ذلك من وجوه الخير والنصح.
فعليك يا عبد الله وعليك يا أمة الله العناية بهذا الأمر والإعداد له وعلى الجميع أن يتقوا الله ويطيعوا أمره ويتواصوا بالحق والصبر عليه وأن يعلموا الجاهل ويرشدوا الضال وينصحوا لله ولعباده وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر كما قال تعالى في كتابه العظيم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة[ ] :71] ويقول سبحانه وبحمده: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3] ويقول سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
والمؤمنون يرون ربهم يوم القيامة[ ] رؤية حقيقية يكلمهم سبحانه ويريهم وجهه الكريم هذه عقيدة أهل السنة والجماعة. أجمع أهل السنة والجماعة على أن الله سبحانه يراه المؤمنون يوم القيامة يريهم وجهه الكريم جل وعلا ويحجب عنه الكفار كما قال سبحانه وتعالى: {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فالمؤمنون يرونه سبحانه والكفار محجوبون عنه هذه الرؤية العظيمة آمن بها أهل السنة والجماعة وأجمعوا عليها وهكذا في الجنة يراه المؤمنون وذلك أعلى نعيمهم كما قال عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل مع ما يزيدهم الله به من الخير والنعيم المقيم الذي فوق ما يخطر ببالهم.
وقال عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:22-24] وقال سبحانه وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ . إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] فالمؤمنون يرون الله سبحانه في القيامة وفي الجنة رؤية عظيمة حقيقية لكن من دون إحاطة. لأنه سبحانه أجل وأعظم من أن تحيط به الأبصار من خلقه كما قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103] والمعنى أنها لا تحيط به، لأن الإدراك أخص والرؤية أعم كما قال تعالى في قصة موسى وفرعون: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] فأوضح سبحانه أن الترائي غير الإدراك، وقال جمع من السلف في تفسير الآية المذكورة منهم عائشة[ ] رضي الله عنها: إن المراد أنهم لا يرونه في الدنيا، وعلى كلا القولين فليس فيها حجة لمن أنكر الرؤية من أهل البدع[ ] لأن الآيات القرآنية الأخرى التي سبق بيانها مع الأحاديث الصحيحة المتواترة كلها قد دلت على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وفي الجنة.
وأجمع على ذلك الصحابة[ ] رضي الله عنهم وأتباعهم من أهل السنة وشذت الجهمية والمعتزلة والإباضية فأنكروها وقولهم من أبطل الباطل ومن أضل الضلال، نسأل الله العافية والسلامة مما ابتلاهم به ونسأل الله لنا وللموجودين منهم الهداية والرجوع إلى الحق.
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟، ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟. قال: فيكشف لهم الحجاب[ ] ، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل» ( رواه مسلم). فيرونه سبحانه وتعالى رؤية حقيقية وذلك أعلا نعيمهم وأحب شيء إليهم جعلنا الله وإياكم منهم.
وقد أجمع أهل الحق من أهل السنة والجماعة على هذه الرؤية كما تقدم، وقد حكى ذلك عنهم أبو الحسن الأشعري في كتابه: (مقالات الإسلاميين) وحكى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية[ ] رحمه الله وذكر إجماع أهل السنة على ذلك وذكر أن جمهور أهل السنة يكفرون من أنكر هذه الرؤية. فجمهور أهل السنة والجماعة يرون أن من أنكر هذه الرؤية فهو كافر نسأل الله السلامة والعافية.
أما في الدنيا فإنه سبحانه لا يرى فيها، فالرؤية نعيم عظيم والدنيا ليست دار نعيم ولكنها دار ابتلاء وامتحان ودار عمل فلهذا ادخر الله سبحانه رؤيته ادخرها لعباده في الدار الآخرة[ ] حتى النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الدنيا عند جمهور العلماء كما سئل عن ذلك فقال «رأيت نورًا» فلم ير عليه الصلاة والسلام ربه يقظة.
وقال عليه الصلاة والسلام: «اعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت» (أخرجه مسلم في صحيحه) فليس أحد يرى ربه في الدنيا أبدًا لا الأنبياء ولا غيرهم وإنما يرى في الآخرة سبحانه وتعالى.
فعلى المسلم أن يؤمن بهذا وبكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأن الجنة حق والنار حق وأن أهل الإيمان يدخلون الجنة ويرون ربهم سبحانه في القيامة وفي الجنة كما يشاء سبحانه وأن الكفار يصيرون إلى النار مخلدين فيها نعوذ بالله من ذلك وأنهم عن ربهم محجوبون لا يرونه سبحانه وتعالى لا في القيامة ولا في غيرها بل هم عن الله محجوبون لكفرهم وضلالهم وأما العاصي فهو على خطر لكن مآله إلى الجنة وإن دخل النار بسبب معصيته فإنه لا يخلد فيها بل يخرج منها فيصير إلى الجنة كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه أهل السنة خلافا للخوارج ومن تابعهم.
وأما المسلم الموحد العاصي فهو على خطر من دخول النار بمعاصيه ومن تعذيبه في القبر بمعاصيه كما تقدم ولكن مصيره إلى الجنة بعد ذلك وإن دخل النار وإن جرى عليه بعض العذاب. فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن العصاة لا يخلدون في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم فأهل السنة والجماعة مجمعون على أن العاصي الموحد المؤمن لا يخلد في النار بل هو تحت مشيئة الله كما قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فإن شاء الله عفا عنه ودخل مع إخوانه في الجنة من أول وهلة وإن لم يعف عنه صار إلى النار وعذب فيها على قدر معاصيه ثم بعد التعذيب والتطهير يصير إلى الجنة كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هكذا قال أهل السنة والجماعة وقد يعذب العاصي في قبره وقد يعذب في النار، لأنه مات على الزنا[ ] أو على شرب الخمر أو على عقوق الوالدين[ ] أو على الربا أو على غير ذلك من الكبائر إن لم يعف الله عنه وقد أخبر الله سبحانه في الآية السابقة أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه كما أخبر الله سبحانه في آية أخرى أن من مات عليه فله النار -والعياذ بالله- مخلدًا فيها لا يغفر له كما قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] وقال سبحانه: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة:17].
وأما العاصي فهو تحت مشيئة الله إن شاء ربنا غفر له وعفا عنه فضلًا منه وجودًا وكرمًا بسبب أعماله الصالحة أو بشفاعة الشفعاء أو بمجرد فضله وإحسانه بدون شفاعة أحد أو بأسباب أخرى من أعمال صالحة تكون سببًا لعفو الله إلى غير ذلك من الأسباب هذا إذا لم يتب.
أما من تاب فإن الله جل وعلا يلحقه بإخوانه المؤمنين من أول وهلة فضلًا منه وإحسانًا. ومن تمام حق الله عليك يا عبد الله في هذه الدار أن تعتني بصلاتك وتحافظ عليها في جماعة مع إخوانك المسلمين وأن تبتعد عن مشابهة المنافقين المتكاسلين عنها الذين ذمهم الله في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا} [النساء:142].
ومن حق الله عليك أن تؤدي الزكاة[ ] زكاة مالك بكل عناية طيبة بها نفسك وأن تصوم رمضان[ ] كما أمرك الله وأن تحج البيت مرة واحدة في العمر. لأن الله سبحانه أوجب عليك ذلك مع الاستطاعة وأن تؤدي ما أوجب الله عليك من بر والديك وصلة أرحامك وصدق الحديث وأداء الأمانة والجهاد في سبيل الله إذا تيسر ذلك بالنفس وبالمال وباللسان. وأنتم الآن عندكم جهاد، جهاد إخوانكم الأفغان للشرك بالله والشيوعية هؤلاء الإخوان المجاهدون لهم حق عليكم أن تساعدوهم بالنفس والمال واللسان فهم مجاهدون للشرك والإلحاد والشيوعية فنوصيكم جميعًا بمساعدتهم بالنفس والمال واللسان ومن قال: إنه لا يساعد إلا فلانًا منهم أو فلانًا فقد غلط وأخطأ بل الواجب أن يساعد الجميع حتى يفتح الله عليهم ويمكنهم من عدوهم ومن جملتهم الشيخ جميل الرحمن وفقهم الله جميعًا ونصرهم على عدوهم فكلهم مستحقون للمساعدة كلهم يجب أن يساعد وكلهم بحمد الله على جهاد شرعي وجهاد إسلامي وما قد يقع من بعضهم من الخطأ والغلط يعالج بالتي هي أحسن فكل بني آدم خطاء فإذا وقع الخطأ والغلط من بعض القادة أو غيرهم ينبه إلى خطئه وليس أحد منهم معصومًا بل يجب أن يبين له ما قد أخطأ فيه ويوجه إلى الخير ويجب أن يعان الجميع على البر والتقوى وأن يجاهد مع الجميع بالنفس والمال واللسان.
لأن جهادهم جهاد عظيم وجهاد شرعي لأكفر دولة وأخبثها. ومكاتب هيئة استقبال التبرعات موجودة في الرياض وغيرها وهكذا محل الراجحي ومحل السبيعي كلها تستقبل المساعدة للمجاهدين بأمر خادم الحرمين الشريفين وفقه الله.
وهكذا إخواننا في فلسطين[ ] لهم حق على جميع الدول الإسلامية وأغنياء المسلمين أن يساعدوهم في جهادهم وأن يقوموا معهم حتى يتخلصوا من عدو الله اليهود[ ] . نكمل لاحقا