إن القرآن الكـريم كلام الله تعالى، وهـذه أعظم مزايا وخصائص القـرآن الكريم، فحسبه أنه كـلام الله.
وقد وصفه الله عز وجل بقوله: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ.لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنـزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41، 42].
وكما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فضل القرآن على سائر الكلام، كفضل الله تعالى على خلقه"
إذًا فكون القرآن كلام الله، فهذا يغني عن تعداد خصائص القرآن وفضائله ومزاياه، لكن أجدني مضطرًّا إلى أن أشير إلى ثلاث خصائص لهذا القرآن؛ لابد من ذكرها في مطلع هذه الرسالة:
الخاصية الأولى: الحفظ :
قال تعالى: (إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
لقد قيَّض الله تعالى للقرآن منذ نزل من يحفظه من الصحابة ومن بعدهم في الصدور وفي السطور، وبلغت عناية المسلمين بالقرآن الكريم، وتدوينه، وكتابته، وحفظه، وضبطه شيئًا يفوق الوصف، حتى إن جميع حروف القرآن وكلماته مضبوطة محفوظة بقراءاتها المختلفة لا يزاد فيها ولا ينقص.
وقد ذكر بعض المفسرين -كالقرطبي وغيره- قصة طريفة تتعلق بحفظ القرآن الكريم.
وذلك أنه كان للمأمون -وهو أمير إذ ذاك- مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، فتكلم فأحسن الكلام والعبارة، فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم، قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده، فقال: ديني، ودين آبائي، وانصرف.
فلمَّا كان بعد سنة جاء مسلمًا، فتكلم في الفقه فأحسن الكلام، فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون، وقال: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى، قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك، فأحببتُ أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخط.
فعمدتُ إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشتريت مني.
وعمدتُ إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة، فاشتريت مني.
وعمدتُ إلى القرآن، فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ؛ فكان هذا سبب إسلامي
الخاصية الثانية: الشمول والكمال :
فإن هذا الكتاب -كما قال الله عز وجل فيه-: (تَفصِيلَ كُلِّ شَيءٍ) [يوسف:111].
فما من أمر يحتاجه الناس في دينهم أو دنياهم إلا في القرآن بيانه، سواء بالنص عليه، أو بدخوله تحت قاعدة كلية عامة بينها الله تعالى في كتابه الكريم، أو بالإحالة على مصدر آخر؛ كالإحالة على السنة النبوية، أو القياس الصحيح، أو إجماع أهل العلم، أو ما أشبه ذلك.
فما من قضية يحتاجها الناس في اجتماعهم، أو أخلاقهم، أو عقائدهم، أو اقتصادهم، أو سياستهم، أو أمورهم الفردية أو الاجتماعية، الدنيوية أو الأخروية، إلا وفي القرآن بيانها إجمالاً أو تفصيلاً.
فجاء القرآن بأصول المسائل؛ فأصول العقائد؛ وأصول الأحكام في القرآن الكريم، فالقرآن شامل كامل مهيمن على جميع شئون الحياة.
الخاصية الثالثة: الحق المطلق:
إن القرآن الكريم هو الحق المطلق الذي لا ريب فيه، قال تعالى: (ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ) [البقرة:2]. فالقرآن حق كله، وصدق كله، فهو -فيما أخبر به عن الماضي أو الحاضر أو المستقبل- صدق، ويستحيل استحالة مطلقة قطعية لا تردد فيها أن يتعارض خبر القرآن مع الواقع، أو مع التاريخ الماضي، أو مع ما يكتشفه العلم في المستقبل.
فنجزم ونقطع بلا تردد -من منطلق إيماننا بالله العظيم- أن كل ما أخبر به القرآن عن الأمم السابقة، من أخبار الأنبياء، وأخبار الأمم والدول، والقصص والأخبار في الواقع، وفي الكون، والفلك، والنجوم، والأرض، والسماء، والأرحام، والنفس البشرية... أنه صدق وحق قطعي لا تردد فيه.
ولذلك يستحيل أن يثبت العلم حقيقة تتناقض مع ما جاء في القرآن، ومن ادَّعى أن هناك حقيقة علمية تناقض القرآن، فهو إما أنه لم يفهم القرآن حق فهمه، فظن أنه يناقض العلم، أو لم يفهم العلم حق فهمه، فظن أنه يناقض القرآن.
أما أن توجد حقيقة علمية تناقض نصًّا قطعيًّا صريحًا، فهذا لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال؛ لأن الذي أنزل القرآن هو الذي خلق الأكوان، وأوجد الإنسان، فلا يمكن أن يخبر عن الإنسان أو عن الأكوان إلا فيما هو الحق والواقع. (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وكذلك ما أخبر به الله عز وجل في القرآن من الأخبار المستقبلة في آخر الدنيا، أو في يوم القيامة، فإنه لابد أن يكون حقًّا لا شك فيه.
فأخبار الله تعالى في القرآن صدق لا ريب فيها، وأحكامه في القرآن عدل لا ظلم فيها ؛ ولذلك يقول الله عز وجل: (وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدقًا وَعَدلاً) [الأنعام:115]، صدقًا في الأخبار: ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها، وعدلاً في الأحكام: خاصها وعامها، فرعها وأصلها، فهو الحق المطلق الذي لا شك فيه.